أطفالنا هم كنزنا الذي لا يقدر بثمن، هم أملنا في المستقبل وبدونهم لا يمكن للحياة أن تستمر وتتجدد، هم ينبوع حياتنا وبهم تورق الأمة وتخضّر وتسري في عروقها مياه الحياة، فالأطفال بضجيجهم وصخبهم ولعبهم هم البداية ومن دونهم لا تستمر الحياة وتبقى الأمة بلا أمل، فهم مادة الحياة وبهم تتجدد الأمة وتتوالى الأجيال، ولا يكون المستقبل مشرقا وبّساما ما لم نعتني بأطفالنا تنشئة وتربية، فالطفولة المحاطة بالرعاية والتربية الجيدة تعطي شبابا متفتحا واعيا مسلحا بالصحة والوعي والثقافة، وبه ترقى الأمة إلى مصاف النخبة بين الأمم، قد يكون من السهولة بمكان الحصول على الأطفال من خلال عملية التزاوج والإنجاب فهي عملية بيولوجية لا تحتاج إلى مهارة أو ذكاء، إلاّ أنّ التحدي الهام هو في معرفة كيفية تنشئة الطفل تنشئة سليمة وتربيته التربية المثلى عقب ولادته وهو ما يقع على كاهل الأبوين مسئوليته وأمر معرفته وإدراكه، فقد جاء في الصحيحين في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلاّ ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه.....» فالرعاية الأبوية العطوفة والمسؤولة خلال سني الحياة الأولى هي التي تكسب الأطفال ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بالأمن والطمأنينة وتحدد أطر شخصيتهم المستقبلية، كما أنّ للعب الأطفال في هذه السن دور بارز في تنمية طاقاتهم وقدراتهم وفي إكتشاف مواهبهم وتشجيعها وتطويرها....أثبتت العديد من الدراسات أنّ الركائز الأساسية المكونة لشخصية الطفل تولد معه في المنزل حيث يربّى، وما يأتي بعد ذلك لا يعدو كونه بلورة وإكمالا ونضوجا، ذلك أنّ الطفل يبدأ بتكوين هويته المستقلة عن أبويه في حوالي عمر السنتين وغالبا ما يكون تأثره بأبويه من خلال ما يفعلانه لا ما يقولانه.
فالطفل يقوم بتشرب قيمه وعاداته ومعاييره في الحكم على الأشياء وفي التعامل معها من خلال إحتكاكه مع باقي أفراد أسرته وخاصة أمه الأكثر قربا منه وإحتكاكا معه، ومن هنا كان للأم دور كبير في تربية طفلها وتنشئته التنشئة السليمة، إنّ للأسرة عامة وللأبوين بخاصة دورا كبيرا في بث الثقة في نفس الطفل وفي تعويده الإعتماد على نفسه لحل المشكلات التي تواجهه وذلك من خلال التشجيع المستمر وإفساح المجال لمواهبه وقدراته بالانطلاق من مكامنها وإشعاره دائما بقيمة ما يعمله مهما كان قليل الشأن وتدريبه على تحمل المسؤوليات من خلال إسناد أعمال بسيطة إليه تتناسب مع عمره وقدراته وإستخدام أسلوب المكافأة والعقوبة لتشجيع سلوك جيد أو لتعديل سلوك سيء ذلك أنّ الأطفال ذوي الأهل المتسامحين كليا يفشلون في تنمية وازع داخلي ويميلون لأن يكونوا إندفاعيين ولا يراعون الآخرين إلاّ أنّ هذا لا يعني أن يسرف الأهل في نقد السلوك الخاطئ لأبنائهم أو يغالوا فيه لما قد يسببه ذلك من مسخ لشخصية الطفل وما قد يسببه ذلك من فقدانه للإحساس بكيانه الخاص، كما وينصح الآباء بتجنب القسوة الشديدة مع أطفالهم لما قد تولده القسوة الشديدة في نفس الطفل من خوف دائم وعدم قدرة على الإستيعاب وهو أسلوب في التربية لا أصل له في ديننا أو قيمنا فنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يعرف عنه أنه ضرب بيديه الكريمتين طفلا أو خادما أو امرأة....
إنّ للآباء في هذه المرحلة دورا هاما ورئيسا في الإشراف بأنفسهم على أطفالهم من خلال مساعدتهم على تركهم يعتمدون على أنفسهم قدر المستطاع في إنجاز ما هم قادرون على إنجازه في مثل هذه السن وبذلك يصبح هؤلاء الأطفال أكثر ثقة بأنفسهم ويستجيبون بحماسة إلى تحدي خبرات جديدة، وبما أنّ للتلفاز في هذه المرحلة من العمر تأثيرا قويا على الأطفال فإنّه يتعين على الآباء أن يشرفوا مباشرة على البرامج التي يمكن أن يشاهدها أطفالهم عبر شاشة التلفاز.
يحتاج أطفال المدارس الإبتدائية إلى الإستقلال الكافي لتشجيع فرديتهم على أن يتم ذلك من خلال إشراف جيد يضمن حمايتهم من الأخطار الجسدية والتأثيرات النفسية غير المرغوبة التي قد يتعرضون لها، وهنا يقع على كاهل المعلم الملتزم والخبير في التربية مساعدة هؤلاء الأطفال على إكتشاف مواهبهم وتنميتها في الوقت الذي يحدد فيه نقاط ضعفهم ويعلمهم التعايش معها وكيفية تجاوزها والتخلص منها، وعلى كاهله تقع مسؤولية إكتشاف المتخلفين من الأطفال العاجزين عن التعلم ومسايرة الركب، وتحري الأسباب التي يمكن أن تكون سبباً لهذا التخلف كالإنقطاع عن المدرسة لأسباب عديدة، وإنعدام التواصل بين المدرسة والمنزل، بين الآباء والمعلمين وإضطرابات السلوك الأخرى التي تبدأ في المنزل قبل دخول الأطفال إلى المدارس علاوة على الأسباب العضوية والمرضية الأخرى.
بقلم: د.عمر فوزي نجاري.
المصدر: مركز واعي للإستشارات الإجتماعية.